السلام على احلى اعضاء انا جبتلكم النهاردة قصة مرعبة ارجو انا تنال اعجابكم
"أريد أن أجلس جوار الشبّاك"
تنظر لمصدر الصوت فتجد طفلاً يتململ في حِجر أمه.
لا تعرف، سر ذلك التعلق الطفولي بالنافذة! هي نفسها لازالت تجلس جوار النافذة، كلما كان ذلك متاحًا.. وإلاّ، فتحقد على الجالس جوارها.
مدت يدها ترفع رأس الطفل.. انتابها الفزع، طبقة كثيفة من البياض تغطي حدقتيه، تمالكت نفسها، وابتسمت له:
- تعالَ اجلس على حِجري
ارتسمت علامات الرعب على وجهه، وتوارى في صدر أمه:
- ما بك؟ لا تخف
- لا.. أنتِ شكلِك مرعب!
- ماذا!!
تحسست وجهها، كان خيط من الدم يسيل من أنفها، أخرجت منديلاً تجففه وقالت:
- هذا فقط لأن سيولة الدم عندي مرتفعة قليلاً
أخرجت بنبونة من حقيبتها:
- هيّا تعالَ وخذ هذه
فكّر قليلاً.. ثم انتقل إلى حجرها. سألته:
- ما اسمُك؟
- ....
لكزته أمه:
- عيب يا (يحيى)، رد على الأبلة
- طفل لطيف! ربنا يخلي!
ارتسم الحزن على ملامح الأم
- كان أجمل الأطفال وأذكاها حتى حدث ما حدث.. أصابه المرض الخبيث وأهمل أبوه علاجه لصالح ما ينفقه على مزاجه. وبدأ الطفل يزوي ويذبل حتى يوم كان يصرخ من الألم.. فأخذته إلى معهد الأورام، نظر الطبيب في عينيه وقال لي: عودي واجلسي به.. فصرخت فيه: كيف أعود؟ قال لي: يا ست أنتِ غلبانة و(يحيى) المريض الخاص بي ولا أريده يتبهدل.. إذا مات هنا سيكون هناك تشريح وستدوخين حتى تأخذين الجثة.. أما في بيتك فستدفنينه في نفس الليلة..
جزِِعتُ.. صرخت فيه: أنت لا تعلم شيء.. أنت ليس عندك ضمير.. لا تريد أن تعمل.. أنا سأذهب به إلى أغلى المستشفيات..
وحملته ودُرت به على المستشفيات.. فكانوا يرفضون رؤيته دون أن أدفع أقساطًا من المصاريف.. وآخر ما تعبت.. حملته عائدة إلى البيت... لكني عُدتُ دونه.. ماذا كان بإمكاني أن أفعل؟
- لماذا عدت دونه؟ هل حجزوه في المستشفى؟
- للتو أخبرتك أنهم لم يرضوا أن ينظروا حتى في وجهه!
- إذًا، ماذا حدث؟
- المكتوب!
سرحَت عبر النافذة.. المترو يتهادى ليقف في المحطة.. ’المكتوب..‘ .. تُرى.. ما الذي كُتِب؟ ما الذي تحمله الورقة التالية في صفحتها..... لا يبدو الأمر مبشرًا.. لو أن الأمر مبشّر.. فلِمَ يخفوه؟ لا شك أنه مُريب..
أعادت بصرها إلى الداخل.. فوجدت أنه قد صعد للمترو شاب وفتاة.. وأسندا ظهريهما إلى ظهر المقعد المقابل لها... يبدو من تشابك أيديهما والتفاف كل منهما لينظر في عيني الآخر أنها متحابان..
شتت انتباهها صوت من آخر القطار:
"صدّقوني...
سيحترق!"
ارتجفت.. أيًا كان هذا الذي سيحترق فإن فكرة الإحتراق ليست طيبة..
"صدّقوني.....
لا تقولوا أني لم أحذركم"
صوت الرجل يقترب.. نفسها تضطرب.. والكل هادئ..
"لو لا تصدقون..
انظروا لي وأنتم تصدقون..
أرجوكم
انظروا لي"
يميل على رجل جالس:
"انظر لي..
هل هذا الذي في وجهي أنف؟
أم بقايا أنف؟
هل هذه عيني؟"
يقصيه الرجل بقرف:
- ابتعد أيها المُخرِّف!
- صدّقني
صدّقوني جميعًا
القطار سيحترق!
انتفضت للفكرة.. يبدو مجذوبًا فعلاً.. مشوّه الخلقة.. عينيه ضيقتين لأقصى حد.. وموقن أن القطار سيحترق.. ولا أحد يبالي.. ليس من اللائق أن تجزع وحدها إذًا.
ها هو القطار يتهادى للدخول في المحطة التالية.. أولى المحطات الأرضية.. وقعت عيناها على الحبيبين.. لازالا متقاربي الرأس متهامسين.. غريب أن يقدر أحد على الرومانسية في جو كهذا.. هب فعلاً أن الرجل مُخرِّف.. على الأقل أنت تشعر بعدم راحة.
التفتت إلى السيدة الجالسة جوارها:
- أخشى أن يكون صادقًا
- لا شيء ليغير المكتوب!
يحل الظلام تدريجياً.. لكن (يحيى) لا يشعر الفارق.. من قبل وبعد هو ظلام.. تتابع الموجودات خارج النافذة.. لكنها تشك أن حمادة يراها.. يقف القطار تنفتح الأيواب.. ينزل من ينزل ويصعد من يصعد... و(يحيى) يلوّح لوالدته من النافذة.. تنظر جوارها: مقعد فارغ.. تنظر عبر النافذة.. تُذهل، تقفز من مكانها، تصرخ:
- يا ست.. أنتِ نسيتي ابنك!
تبادله التلويح بقلب أم منفطر وتمضي!
- يا ست!
يا ست!
الباب ينغلق! تكاد تُجن، تبرطم:
- إلى هذا الحد يزلل الفقر للناس التخلي عن لحومهم!
- وأكثر!
تنظر للجالس جوارها.. رجل لا تملك أعصابًا لتراه فضلاً عن أن تصفه.. رجل وكفى، تقلّب يديها:
- تصوّر! الست تركت ابنها لأنه أعمى وقالوا لها سيموت!
- أنت تعجبين وتقولين كيف تخلت عن لحمها؟ ما رأيك بقى أنني تخليت عن لحمي فعليًا من أجل أن أشتري طعامًا للحمي الباقي!
- ماذا!!!
- نعم، بعت كليتي من أجل أن آكل، بعدما بعت ملابسي... والآن أنا رجل ثري.. لا تغرك هذه الملابس الرثّة.. انظري
وأخرج من جيبه رزم ورق:
- 14 ألف جنيه.. تصوري الجشع.. لم يقبلوا أن يزيدوا جنيهًا واحدًا عليهم، برغم أن السعر المتعارف عليه للكلية 16 ألف، لكنهم يستغلون حاجتك إلى أقصى مدى!... أخذتهم منذ شهر، وصرفت منهم للآن.... هممم.. سبعة جنيهات وربع.. ليس لأني بخيل، ولكن لأني لا أحب الشيكولاته.
- ماذا؟
- كما أقول لك.. أنا لا أحب الشيكولاته.. ولكني لا أجد غيرها هنا.. فأضطر إلى شراء واحدة كل يوم لسد الرمق.. يا بتاع الشيكولاته.. أنت.. هات واحدة.. هاك ربع جنيه
تشعر بالغثيان.. يصرخ رجل على المقعد المقابل:
- ياللجحود! كم هذا العالم مليء بالمعاتيه! من لا يقدِّر قيمة القرش.. ولا يقدر قيمة الحياة.. أنت تبيع كليتك لتحصل على نقود تشتري منها بربع جنيه شيكولاته! وأنا.. أنا أضحي بحياتي من أجل أولادي
ترد امرأة على كتفها رضيع:
- وما المشكلة.. كلنا نضحي بحياتنا من أجل أولادنا
- كلكم تضحون بحياتكم.. احكوا لي كيف تضحون، هاه! أنا ذات نفسي مرة قتلت نفسي من أجل أولادي!
- ماذا؟!!
- نعم، أخبركم أنني قتلت نفسي حتى يحصل أولادي على قيمة بوليصة التأمين
صرخت:
- ما لكم؟ كلكم مجانين؟ كيف تقول أنك قتلت نفسك وأنت جالس أمامي كيف؟؟
- ألا تصدقين؟ كل العالم لا يصدق، كل العالم مجنون.. أنا لا أريد أن أجالسكم..
وجرى الرجل خارجا قبل أن ينغلق الباب.. جرى حتى ذهب إلى مقدمة القطار.. والطفل يرقبه من النافذة.. وأول ما بدأ القطار يتحرك قفز أمامه وغاب تحت العجلات...
- مجنون! مجنون!
جلست تنهنه!.. قطار غريب.. كل شيء هنا غريب.. كل شخص غريب.. أنا لا تدري أين هي أو ماذا يحدث لها! غفلت عن البكاء حين سمعت:
"فرّوا..
فرّوا..
هي فرصتكم الأخيرة قبل أن ينقلب الضوء ظلامًا والبرودة لهب..
صدّقوني"
منهكًا ظل المجذوب يردد:
"فرّوا"
شعور عام بعدم الراحة يعتريها.. هب أنه صادق.. حينها أنت تغامر بحياتك.. وهب أنه مجرد مجذوب آخر.. فما الذي ستخسره إن نزلت الآن؟
يدخل القطار في محطته الأرضية الأخيرة، رويدًا ينفتح الباب، تقفز فجأة تندفع للباب، يجروا وراءها يمسكونها:
- دعوني، دعوني، يجب أن أفر
يمسك الطفل بثوبها، يمسك الجميع بها
- دعوني، أرجوكم، يجب أن أفر الآن حالأً...
يساعدها فتىً على الرصيف، يجذبها، تُفلت منهم في اللحظة الأخيرة وتسقط على الأرض، يساعدها للنهوض، تشكره، وتتوجه إلى ماكينة الخروج، تضع تذكرتها في الماكينة التي تلفظها وتزمّر..
يُمسِط بها شرطي المترو:
- هاتي بطاقتك، لديكِ مُخالفة.
- مخالفة؟ لِمَ؟
- تذكرتك فوق أرضيّة، بينما كان عليكِ أن تقطعي تذكرة تحت أرضيين؟
- ماذا؟ أنا أول مرّة أسمع عن هذا الشيء... صدّقني لم أكن أعرف.
- ليس شأني، إمّا أن تدفعي الغرامة، أو آخذكِ إلى القسم...
- قسم؟ لا، سأدفع. كم تريد؟
- روحِك.
يقولها ببساطة، تنظر له بذهول، يُخرِج كشف المُخالفات، يدوّن بياناتها من البطاقة، تلمح بعينها المترو القادم... تفكّر أنه لا حلّ إلاّ به.. تندفع إليه أول ما يقف، يجري وراءها الشرطي وأعوانه، يتدافع الناس على باب المترو، تنسل وسطهم، يدفعونها، تدوي صفارة الإغلاق وهي بعد لم تصعد، يشتد الدفع، تسقط تحت المترو، يجذبونها لأعلى، الشرطي ذاته يجذبها..
تصعد تسترح على رصيف المحطة، ينظر إليها الضابط برفق:
- أنتِ بخير.
تمسح دماءً سالت على أنفها.. كم جيد أن تحدث لك مصيبة فتصعب على أعدائك ويقررون مسامحتك.. أنت ظللت تتمنى أن تنجو لكنك لم تعرف أنك ستنجو بهذه الطريقة البشعة..
- شكرًا على مساعدتي، أعدك أن أسدد الغرامة في أقرب فرصة
- لا عليكِ، الغرامة تم تسديدها.
- كيف؟
- قد أخذنا ما نريد.
نظرت بذهول للموجودات، هذه المرّة لن تخطيء المترو القادم أبدًا، وفي اللحظة المناسبة، جرت، وصعدت لتجلس بعيدًا جوار الشباك.